رئيس الوزراء: صياغة برامجِ الإصلاحِ الاقتصادى وفق أطر تشاركية يُسهمُ برفعِ مستوياتِ كفاءة الإصلاحات المنفذة

أكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، اليوم الثلاثاء، على ضرورة صياغة برامج الإصلاح الاقتصادي بناء على أطر تشاركية تجمع كل الأطراف المعنية وتشركهم في فلسفة تنفيذ هذه الإصلاحات، بما يسهم في زيادة كفاءة الإصلاحات المنفذة.
جاء ذلك في كلمة مسجلة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، تم بثها اليوم، خلال المؤتمر العلمي السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء. أقيم المؤتمر بالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تحت عنوان “الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية في مصر: الطريق إلى النمو المستدام”.
أعرب رئيس مجلس الوزراء عن سعادته بالمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العلمي السنوي الثاني لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وهو شراكة مرموقة بين إحدى المؤسسات الأكاديمية المرموقة في مصر ومؤسسة فكرية حكومية رائدة.
وقال إن المؤتمر العلمي السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار يأتي في لحظة عالمية حرجة، إذ يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤاً كبيراً في معدلات النمو الاقتصادي نتيجة تصاعد التوترات التجارية وعدم اليقين السياسي غير المسبوق، ما يؤثر بشكل كبير على قدرة الحكومات في جميع أنحاء العالم على مواجهة هذه التحديات المعقدة، مشيراً إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الذي عملت فيه الدول على مدى الثمانين عاماً الماضية، والذي يرتكز على أسس التعاون الاقتصادي والتعددية الدولية، يخضع حالياً لإعادة تصميم. ويبشر هذا بدخول الاقتصاد العالمي إلى عصر جديد، ولا تزال عواقبه الاقتصادية غير واضحة حتى الآن.
وأضاف: “لعلكم تابعتم نتائج اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي عقدت في واشنطن نهاية أبريل/نيسان من العام الماضي، وكذلك المناقشات العديدة بين الخبراء الاقتصاديين، والتي أشارت إلى عدد من التوقعات والمؤشرات المهمة بشأن تطور الاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة والتي يجب أخذها في الاعتبار”.
واستشهد رئيس الوزراء بعدد من هذه المؤشرات، بما في ذلك الانخفاض التراكمي في توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.8 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته السابقة في يناير/كانون الثاني 2025، إلى 2.8% هذا العام و3.0% العام المقبل. هناك عدة أسباب لذلك، ولكن الأهم من ذلك هو التأثيرات المحتملة للحرب التجارية العالمية.
وأشار إلى مؤشر آخر يتعلق بالتباطؤ المتوقع في النمو في الدول الناشئة والنامية. ومن المتوقع أن تسجل هذه المجموعة معدلات نمو تبلغ 3.7% في عام 2025 و3.9% في عام 2026. ويأتي هذا في ظل تخفيضات كبيرة في التصنيف الائتماني للدول الأكثر تضررا من التدابير التجارية الأخيرة وتوقعات المستثمرين المتزايدة بأن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة سوف تتبنى سياسات نقدية متساهلة، مما يؤدي إلى زيادة تدفقات رأس المال إلى الخارج وإجبار هذه الاقتصادات، التي تواجه بالفعل أعلى تكاليف تمويل حقيقية في عقد من الزمان، على إعادة تمويل ديونها وماليتها العامة بتكاليف أعلى.
وفي الوقت نفسه، أشار رئيس الوزراء، خلال مناقشته للتوقعات والمؤشرات الرئيسية بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن السياسة المالية تواجه الآن مقايضة أكثر حدة بين خفض الديون، وخلق مساحة مالية لمعالجة حالة عدم اليقين، وإدارة ضغوط الإنفاق. وأوضح أن كل هذا يحدث في ظل ضعف آفاق النمو وارتفاع تكاليف التمويل وتزايد المخاطر.
ومن بين المؤشرات التي عرضها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، توقع زيادة الدين الحكومي العالمي بنحو 2.8 نقطة مئوية أخرى من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، ليصل إلى ما يقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد الحالي، متجاوزًا ذروة الجائحة. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يرتفع دين أكثر من ثلث جميع دول العالم في عام 2025 مقارنة بعام 2024. وتمثل هذه الاقتصادات مجتمعة حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشمل لاعبين رئيسيين مثل الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أستراليا والبرازيل وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا وإيطاليا والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة.
وفي كلمته، قارن رئيس الوزراء هذه الاتجاهات الاقتصادية المستقبلية المتوقعة مع حالة الاقتصاد المصري في ظل هذا الوضع الاقتصادي العالمي الحرج. وأوضح أنه في حين تم خفض توقعات النمو الاقتصادي للعديد من الدول النامية والناشئة، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 3.8% هذا العام و4.2% العام المقبل، وتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.5% في عام 2030.
وأضاف: “بينما تأثرت العديد من الأسواق الناشئة بتقلبات الأسواق المالية العالمية وأسعار الأصول في أعقاب عيد التحرير وإعلان الولايات المتحدة عن توقع رفع التعريفات الجمركية إلى أعلى مستوى لها منذ قرن، وتأثر عدد من الاقتصادات الناشئة بهذه التقلبات وخروج رأس المال الأجنبي، حافظت مصر على سياسة سعر الصرف المرنة في مواجهة هذه التقلبات، مما كان له تأثير إيجابي على سوق الصرف الأجنبي”.
وفي هذا الصدد، أضاف رئيس الوزراء: “في حين تشير التوقعات الدولية إلى زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في ثلث دول العالم، تسعى مصر إلى خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والوصول بها إلى مستوى أكثر استدامة يبلغ نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية 2026/2027 من خلال تبني إصلاحات مالية جادة على جانبي الموازنة، وخاصة تبني إصلاحات ضريبية تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وتبسيط الإجراءات الضريبية على دافعي الضرائب”.
وأوضح أن هذه الإصلاحات ساهمت في زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 38% خلال الأشهر التسعة الماضية، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ سنوات. ورغم انخفاض إيرادات قناة السويس، فقد تم تحقيق فائض أولي بلغ 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
قال مدبولي: “تُدرك الحكومة المصرية أن تحسين جودة النمو الاقتصادي لا يقل أهمية عن تسريعه. ويُعدّ تحقيق نمو اقتصادي شامل ومتوازن ومستدام وأكثر عدالة الهدف الأسمى للحكومة المصرية في برنامج عملها للفترة (2024/2025-2027/2026)، المعنون “معًا نبني مستقبلًا مستدامًا”. ولن يتحقق ذلك إلا بمواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، التي بدأت عام 2016، لا سيما فيما يتعلق بمواصلة البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، الذي يتضمن إصلاحات هيكلية ومؤسسية هامة لتعزيز أداء الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة”.
وأكد أنه من المهم في هذا السياق تسليط الضوء على مميزات نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تنوي مصر اتباعه حاليا ومستقبلا. ويتضمن ذلك التركيز على دعم وتعزيز القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال. وخلال الفترة (2022-2024)، أقرت الحكومة المصرية ما يقرب من 500 إصلاح لدعم القطاع الخاص في ستة محاور رئيسية، تركز نحو 64% منها على تشجيع الاستثمار وتعزيز القطاع الصناعي. وساهمت هذه الإصلاحات المتنوعة في زيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات المنفذة إلى 43% في عام 2023/2024. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى نحو 50% في السنة المالية الحالية 2024/2025.
وأضاف أنه إلى جانب تنفيذ التزامات مصر بموجب وثيقة استراتيجية ملكية أصول الدولة، التي اعترف بها البنك الدولي باعتبارها الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على دعم القطاع الخاص وإدارة الأصول المملوكة للدولة، تم اتخاذ قرارات فعلية تساهم في إدارة الشركات المملوكة للدولة وتحسين القدرة التنافسية. وأضاف أن الحكومة المصرية تواصل العمل على تنفيذ برنامج الطروحات، بالتركيز على عدد من القطاعات الاستراتيجية الجاذبة للمستثمرين، وتتلقى الدعم الفني من مؤسسة التمويل الدولية.
وأشار رئيس الوزراء أيضاً إلى دعم عدد من التكتلات والمؤسسات الدولية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري. وينطبق هذا على تنفيذ الإصلاحات المضمنة في التسهيل الممتد لصندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار أمريكي على مدى 46 شهرًا، وعلى الإصلاحات التي يجري تنفيذها كجزء من الشراكة الاستراتيجية بين مصر والمفوضية الأوروبية في إطار حزمة الدعم الأوروبية بقيمة 7.4 مليار يورو حتى عام 2027. والهدف هو تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وضمان بيئة اقتصادية مستقرة وجذابة للاستثمار، وتشجيع الاستثمار والتجارة.
وتابع: “يأتي هذا استكمالاً لالتزام الحكومة المصرية بتعزيز أنظمة الضمان الاجتماعي لدعم الفئات الأقل حظاً وتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية عليها. ولتحقيق ذلك، اعتمدت الحكومة العديد من السياسات والبرامج التي تستهدف الفئات الأكثر ضعفاً. ومن أوضح الأمثلة على ذلك زيادة إنفاق الضمان الاجتماعي بنسبة 16.8% في السنة المالية 2025/2026، ليصل إلى 742.5 مليار جنيه مصري، وزيادة تمويل برنامجي تكافل وكرامة بنسبة 35% في العام نفسه، ليصل إلى 54 مليار جنيه مصري”.
وأخيرا، وكما أوضح رئيس الوزراء، فإن نهج الإصلاحات الاقتصادية ينطوي على تطوير برامج الإصلاح الاقتصادي في إطار تشاركي يجمع كل الأطراف المعنية ويشركهم في فلسفة تنفيذ هذه الإصلاحات، مما يساعد على زيادة كفاءة الإصلاحات التي يتم تنفيذها. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الإصلاحات المالية الأخيرة التي أجرتها وزارة المالية المصرية، والتي تهدف إلى زيادة كفاءة الضرائب والعدالة وتوسيع القاعدة الضريبية. وكان من الممكن إيصال هذه الإصلاحات إلى مستوى المواطنين العاديين والحصول على دعمهم. علاوة على ذلك، ينصب التركيز على تنمية الإنسان المصري، وهو الهدف النهائي لكل الإصلاحات التي تنفذها الدولة المصرية. وفي هذا الإطار تتبنى الحكومة المصرية برامج واستراتيجيات لدعم قطاعي التعليم والصحة وتحسين مستويات المعيشة. ويأتي ذلك في إطار برنامج عمل شامل للحكومة المصرية يتضمن 16 برنامجاً رئيسياً ونحو 33 برنامجاً فرعياً.
وفي كلمته أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنه في ضوء ما تقدم فإن جلسات المؤتمر والأوراق البحثية المتنوعة التي ستناقش فيه ستساهم في دعم الدولة المصرية في مسيرتها نحو تنفيذ سياسات اقتصادية قادرة على التغلب على التحديات والاختلالات التي تواجه الاقتصاد المصري وتؤدي إلى سياسات اقتصادية أكثر فعالية وكفاءة. بهدف دعم مسيرة النهضة الاقتصادية في بلدنا الحبيب مصر.
واختتم رئيس مجلس الوزراء كلمته بتقديم الشكر والتقدير لجميع القائمين على تنظيم هذا المؤتمر، وعلى رأسهم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكذلك لجميع المشاركين. وتمنى للمؤتمر النجاح، وأكد أن الحكومة المصرية تتطلع إلى توصيات هذا المؤتمر بما يساعدها في اتخاذ قراراتها.
من جانبها، قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط، في كلمة مسجلة بثت خلال الجلسة الافتتاحية، إن مصر حققت تقدماً كبيراً في عملية الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة. لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، ومعالجة الاختلالات الهيكلية، وتحسين قدرة الاقتصاد على الصمود في مواجهة التحديات.
وأضافت: “لقد تعمّق هذا المسار عامًا بعد عام، ويحظى بتقدير متزايد من المجتمع الدولي والمؤسسات الاقتصادية العالمية. وقد رفعت مؤسسات كبرى، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مؤخرًا توقعاتها للنمو الاقتصادي لعامي 2025 و2026، بينما خفضت توقعاتها للنمو في العديد من دول العالم نظرًا لتزايد تعقيد المشهد الاقتصادي الدولي. وهذا يؤكد فعالية سياسات الإصلاح التي تنتهجها الحكومة المصرية، وثقة الشركاء الدوليين في مسارها”.
وتابعت: “مصر ملتزمة بتطوير نموذجها الاقتصادي لتحقيق نمو مستدام قائم على القطاعات القابلة للتداول والموجهة للتصدير. وسيتحقق ذلك من خلال تشجيع الاستثمار، وجذب الصناعة، وتطبيق سياسات متكاملة لتحسين نمو الاقتصاد وقدرته على امتصاص الصدمات”.
وأوضحت أن الحكومة المصرية نفذت سلسلة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي والهيكلي منذ مارس 2024، وهو ما انعكس في ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام المالي (2024-2025)، ليصل إلى 4.3%، مقارنة بـ2.3% في الفترة المقابلة من العام المالي السابق.
وأكدت المشاط أنه رغم المؤشرات الإيجابية إلا أن عنصر هذا النمو والقطاعات التي سجلت أكبر نمو هي الأهم. وجاء النمو في الربع الثاني مدفوعاً بالتصنيع غير النفطي، الذي نما بنسبة 17% للربع الثالث على التوالي، مقارنة بانخفاض بنسبة 11% في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة. وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك نمو في قطاعات النقل والتخزين والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما يعكس تأثير الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية ودعم النمو الموجه نحو التصدير.
المصدر: بيان منشور على موقع مجلس الوزراء