أبوالغيط: إسرائيل تُخاطر باستمرار الصراع والكراهية لعقود قادمة وسياساتها العدوانية تهدد السلام

أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن إسرائيل تُخاطر بإدامة الصراع والكراهية لعقود قادمة. كما تُشكل سياساتها العدوانية والتوسعية تهديدًا خطيرًا للسلام الذي تحقق على مدى نصف قرن، ولإمكانية التعايش السلمي في المستقبل.
جاء ذلك في كلمة أبو الغيط خلال جلسة الحوار التفاعلي غير الرسمية لأعضاء مجلس الأمن وترويكا جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري (العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية) برئاسة وزير خارجية كوريا الجنوبية تشو هيون هو، حول موضوع “التعاون بين مجلس الأمن وجامعة الدول العربية” على هامش الجزء رفيع المستوى من الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهنأ أبو الغيط جمهورية كوريا على توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في سبتمبر/أيلول المقبل، وتمنى لها النجاح في قيادة وتعزيز عمل المجلس، خاصة في ظل الوضع العالمي الحرج الذي يتطلب مزيداً من الحكمة والالتزام من جميع الأطراف.
وشكر وزير خارجية جمهورية كوريا على مبادرته بعقد هذا الاجتماع الهام، والذي عكس وعيًا متزايدًا بخطورة الوضع الراهن وأهمية الشراكة الاستراتيجية بين جامعة الدول العربية، باعتبارها المنظمة الإقليمية الأهم في الشرق الأوسط، والأمم المتحدة عمومًا، ومجلس الأمن خصوصًا. كما شكر وزراء خارجية الترويكا العربية وممثلي الدول الأعضاء في المجلس على مشاركتهم في الاجتماع، وأشاد بالدور المهم للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بصفتها عضوًا عربيًا في المجلس، في الدفاع عن القضايا العربية العادلة بالتنسيق مع الأعضاء الآخرين، وخاصة جمهورية الصومال الفيدرالية، عضو الجامعة وممثل شرق إفريقيا. وتمنى التوفيق لمملكة البحرين التي ستمثل صوت العرب والمنطقة في المجلس اعتبارًا من مطلع العام المقبل.
قال أبو الغيط إنه لا يخفى علينا جميعًا حجم الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية. القضية الفلسطينية، التي تتمحور حولها، هي الأخطر والأكثر تأثيرًا على مجمل الوضع في المنطقة. أما الوضع في قطاع غزة، فهو وضع لا يوصف. تواصل إسرائيل حرب الإبادة ضد مجتمع أغلبيته من المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن. هدفها تمزيق النسيج الاجتماعي ومحوه، وقطع الصلة بين الأرض والشعب.
وأضاف أن رفض إسرائيل إنهاء الحرب ينبع من توجهات دينية وقومية متطرفة، وهو يعمل على تقويض أسس الاستقرار الإقليمي لعقود قادمة من خلال توسيع دائرة العنف، واتباع سياسة جوهرها إبقاء التوتر على كافة الجبهات، حتى أنه وصل إلى حد مهاجمة الدوحة التي لا تسعى إلا للوساطة والسلام.
وتابع: “لقد شهدنا جميعًا الزخم الذي أحدثه الاعتراف التاريخي بفلسطين والاجتماعات التي نظمتها هذه المنظمة في الأيام الأخيرة حول مستقبل غزة والدولة الفلسطينية. وتم التوصل إلى إجماع واضح بشأن مسار إنهاء الحرب والتحضير للمرحلة المقبلة. لدينا فرصة – ربما تكون الأخيرة – للانطلاق في مسار جدي لا رجعة فيه نحو تحقيق الدولة الفلسطينية وحل الدولتين. والبديل عن هذا المسار هو المزيد من الدماء والألم والمعاناة للجميع”.
وفي تطورٍ آخر، أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى أن الأزمة في السودان تُلقي بظلالها الخطيرة على سكان البلاد والدول المجاورة، وأن إدراك استحالة الحلول العسكرية لا يزال بعيد المنال. وهذا يُعرّض البلاد لمخاطر عديدة، أبرزها الانقسام.
وأكد أن جامعة الدول العربية ملتزمة بتعزيز التنسيق والتشاور مع الأمم المتحدة والجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى، مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، لاستعادة السلام والاستقرار في جمهورية السودان وضمان عدم المساس بوحدته وسلامة أراضيه.
وأضاف: “إننا بذلك نعمل على تنفيذ قرارات مجلس عصبة الأمم، وأيضا في إطار قرار مجلس الأمن (2736) لسنة 2024م، الذي دعا إلى رفع الحصار عن الفاشر واستئناف محادثات وقف إطلاق النار في جدة، وكذلك بيان المجلس بتاريخ 13 أغسطس 2025م، الذي أدان تشكيل الحكومة الموازية لما تشكله من تهديد لوحدة البلاد”.
وتابع: “منذ يونيو/حزيران من العام الماضي، بدأنا سلسلة من الاجتماعات التشاورية بمشاركة جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الدول والمنظمات المتضررة. … وعلى هامش القمة العربية (34) في بغداد في مايو/أيار من هذا العام، عقدنا أيضًا اجتماعًا على مستوى رؤساء دول وحكومات المنظمات الثلاث (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية) للاتفاق على نهج منسق. … وتتركز جهودنا حاليًا على تسهيل المناقشات السياسية بين الأطراف المدنية السودانية للوصول إلى رؤى منسجمة لمستقبل البلاد … وبناء مستوى من الثقة يُسهّل محادثات وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية لملايين السودانيين المتضررين من النزاع”. وأكد أن ليبيا لا تزال تعاني من تداعيات الانقسام وما يرتبط به من تحديات أمنية وسياسية وحتى اقتصادية هائلة.
وأكد أن ثوابت الموقف العربي، كما وردت في قرارات مجلس جامعة الدول العربية، واضحة: الالتزام بوحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها، ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها. وأضاف أن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا شاملاً وسياسياً، بملكية وقيادة ليبية.
وأضاف: “في الوقت الذي ندعم فيه ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الممنوحة لها بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فإننا نأمل دائمًا في تنسيق أفضل وأقوى بين منظمتينا لتحقيق المصلحة المشتركة”.
وأشار إلى أن جامعة الدول العربية، من جانبها، دعت الأطراف الليبية إلى الحوار في إطار خارطة الطريق التي قدمها مؤخرًا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا. ويمثل ذلك فرصةً لا بد من اغتنامها لتحقيق حل سياسي شامل، شريطة أن يحظى بدعم إقليمي ودولي حقيقي.
قال أبو الغيط إن عشر سنوات مضت على بدء الأزمة في اليمن – عشر سنوات من المعاناة الإنسانية التي لا توصف – ولا يزال الحل السياسي عالقًا. بل إن الوضع ازداد تعقيدًا بتداخل الأزمة اليمنية مع الوضع الإقليمي المعقد أصلًا. ويتجلى بوضوح التأثير الخطير للأزمة اليمنية المستمرة على السلامة البحرية في البحر الأحمر. ويبقى الحوار السياسي الشامل، دون تدخل خارجي، هو السبيل الأمثل لمعالجة الأزمة وإنهاء معاناة ملايين اليمنيين. وأكد أن سوريا، بعد سنوات طويلة ومريرة من الحرب، تمر بمرحلة انتقالية صعبة وحاسمة على طريق التعافي والوحدة الوطنية. وتواصل جامعة الدول العربية جهودها لدعم سوريا، انطلاقًا من احترام قرارات الشعب السوري وإرادته، والتضامن معه في مواجهة التحديات الراهنة، والالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدتها وسلامة أراضيها، وإدراكًا لأهمية الدعم الفعال لعملية انتقال سلمية وشاملة.
وتابع: “في هذا السياق، تشجع الدول العربية الحكومة السورية على اتخاذ الخطوات اللازمة لبناء سوريا جديدة على أسس تضمن مشاركة الجميع وتضم الجميع في إطار وطني شامل. وقد أدانت جامعة الدول العربية في قراراتها أعمال العنف في الساحل السوري ومحافظة السويداء، وأكدت رفضها القاطع لأي توجهات أو حركات انفصالية من شأنها أن تُهدد وحدة سوريا. كما أدانت جميع أشكال التدخل الأجنبي السلبي أو الهدام، ودعت إلى تهدئة النزاعات وحل التوترات عبر الحوار، واحترام آليات العدالة الانتقالية”.
وأشارت إلى أن جامعة الدول العربية تدين بشدة، من حيث المبدأ، الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وتدعو مجلس الأمن إلى القيام بدوره لوقف هذه الاعتداءات والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها.
وأكد أن وحدة الأراضي السورية ركنٌ أساسيٌّ من أركان الأمن الإقليمي والدولي، ويجب الحفاظ عليها وصيانتها. وتناشد الجامعة المجتمع الدولي دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا بما يحقق آمال الشعب السوري المشروعة في مستقبل أفضل.
وفي هذا السياق أكد على أهمية دور منظومة الأمم المتحدة في دعم جهود الحكومة السورية في المرحلة الراهنة وصولاً إلى استكمال بناء سوريا الجديدة. أكد أبو الغيط أن الحكومة اللبنانية الحالية تسعى جاهدة لتعزيز سلطة الدولة، وحصر حيازة السلاح بيد قواتها المسلحة، واستكمال مسيرة الإصلاح في جميع القطاعات. وأشار إلى أن جامعة الدول العربية تدعم قرار الحكومة بحصر حيازة السلاح في جميع أنحاء البلاد بيد الدولة اللبنانية وقوى الأمن اللبنانية، معتبرةً ذلك ركيزةً أساسيةً من ركائز مفهوم الدولة الحديثة، وضرورةً لا غنى عنها للحفاظ على الصيغة التعددية القائمة على العيش المشترك.
وتابع: “ترفض جامعة الدول العربية بشدة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان، وتدين انتهاك سيادة إسرائيل، واستهداف المدنيين، وخرق إعلان وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتعتبر الجامعة هذه الاعتداءات محاولةً متعمدةً لتخريب مسار الاستقرار السياسي في لبنان. كما تدعم موقف لبنان الداعي إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701، وتدعو المجتمع الدولي والوسطاء إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل من جميع الأراضي اللبنانية والوفاء بالتزاماتها”.
ودعا المجتمع الدولي إلى دعم الجيش اللبناني باعتباره الضامن لوحدة لبنان واستقراره وتمكينه من القيام بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقه، لا سيما في ما يتصل بتطبيق قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة.
وأكد أن التوترات والأزمات الأمنية والسياسية المستمرة في عدد من الدول العربية لا تهدد أمنها الداخلي فحسب بل تؤثر سلبا على الأمن الإقليمي وتعرض السلم الدولي للخطر.
وجدد دعوة مجلس الأمن إلى الوفاء بالتزاماته السياسية والقانونية استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد بوضوح أهمية التعاون مع المنظمات الإقليمية كحجر أساس لضمان السلم والأمن الدوليين.
ودعا مجلس الأمن أيضاً إلى تكثيف التعاون المؤسسي الثنائي مع جامعة الدول العربية، وزيادة وتيرة المشاورات السياسية، وتطوير آليات الإنذار المبكر، واستخدام جهود الوساطة، ودعم دور مبعوثي الأمم المتحدة، وتنسيق مجموعة من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك.
وأعرب عن ترحيب الجامعة باستضافة الاجتماع القطاعي السادس عشر للمنظمتين في نوفمبر المقبل، والذي سيخصص للتعاون في مجال “حقوق المرأة وحماية الطفل في النزاعات المسلحة”.
أكد الأمين العام على أهمية إصلاح مجلس الأمن، لا سيما وأننا نناقش اليوم سبل تحسين التعاون بين المجلس وعصبة الأمم. وقد أظهرت تجربة حرب غزة، على وجه الخصوص، أن المجلس بعيد كل البعد عن تلبية تطلعات الشعب، الذي يتوقع منه أن يكون أداة فعّالة لصون السلام والأمن، بعيدًا عن الانتقائية وازدواجية المعايير.
وأكد أن الإصلاحات ضرورية في ظل الواقع الدولي الراهن. وفي هذا السياق، نحن في جامعة الدول العربية على أهبة الاستعداد للمشاركة بفعالية وجدية في هذا المشروع الطموح، في إطار تنفيذ مخرجات ميثاق المستقبل وأهداف الإصلاح الدولية الأخرى.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن الأمة العربية أمة سلام. وانطلاقًا من هذا المبدأ، ومسؤوليتنا كجامعة الدول العربية، سنواصل دعم جهود السلام لحل جميع القضايا الإقليمية المطروحة على جدول أعمال مجلسكم الموقر، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وجدد عزمه الراسخ على العمل مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتجاوز هذه المرحلة الحرجة في تاريخ المنطقة والعالم، وتفعيل التعاون المؤسسي الذي يمكننا من تجاوز مآسي الحروب والصراعات والأزمات، والعمل على إرساء أسس السلام وتعزيز دعائم الاستقرار والتنمية المستدامة والشاملة لشعوبنا.
المصدر: وكالات