يخلق وظائف جديدة.. هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى القضاء على العمالة البشرية؟

في السنوات الأخيرة، تسارع تطور الذكاء الاصطناعي إلى حد غير مسبوق وأصبح جزءًا لا يتجزأ من العديد من مجالات حياتنا. وفي ظل هذا التطور، تتسابق البلدان إلى تبني هذه التكنولوجيا المتقدمة كمحرك رئيسي للتغيير والنمو الاقتصادي.
ويثير هذا الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي تساؤلات ومخاوف بشأن تأثيره على مستقبل سوق العمل، حيث يخشى كثيرون أن يحل الذكاء الاصطناعي محل العمل البشري.
تواصلت مصر بريفينج مع مجموعة من الخبراء في مجالات أمن المعلومات والذكاء الاصطناعي والأعمال لتقديم نظرة شاملة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل وتوضيح الفرص والتحديات التي يفرضها هذا التطور التكنولوجي.
إن تأثيرها عميق في العديد من المجالات مثل التعليم والصحة والرعاية الطبية.
بدأ الدكتور وليد حجاج، خبير أمن المعلومات ومستشار المجلس الاستشاري الأعلى لتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، حديثه قائلاً: “شهد العالم خلال العقد الماضي تغيرات غير مسبوقة نتيجة التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي أحدثت ثورة في طريقة عملنا وساهمت في إعادة تشكيل سوق العمل العالمي”.
وأضاف: “لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية تمكينية؛ بل أصبح قوة دافعة تدفع الابتكار وتعزز الإنتاجية في العديد من القطاعات، من الرعاية الصحية والتعليم إلى التصنيع والخدمات المالية”.
ويتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير عميق في العديد من المجالات في السنوات المقبلة، مثل الرعاية الصحية والرعاية الطبية من خلال التشخيص المبكر وتحليل الصور الطبية وتوفير خطط علاجية شخصية. ويتوقع أيضًا أن تلعب دورًا مهمًا في الخدمات المالية والتحليل المالي واكتشاف الاحتيال والتوصيات الاستثمارية، بالإضافة إلى خدمة العملاء عبر برامج الدردشة والتعلم الآلي لتحسين تجربة العملاء. وسوف يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا في تكييف محتوى التعلم مع مستوى الطالب وسرعة فهمه.
سيشهد قطاع التصنيع تطوراً كبيراً من خلال الأتمتة الذكية والصيانة التنبؤية وسلاسل التوريد المحسنة. وتابع: «في مجال الأمن السيبراني، سيتم تحسين قدرات الرصد والكشف المبكر عن التهديدات».
وبحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يرى الدكتور وليد حجاج أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على تحويل سوق العمل بدلاً من تدميره. ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى خلق 69 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2027، في حين سيتم فقدان 83 مليون وظيفة. وهذا ليس مجرد فقدان للوظائف، بل هو تغيير في طبيعة الوظائف. ويزعم أن الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على المهام الروتينية، لكنه سيخلق أيضًا فرص عمل في تحليل البيانات والأمن السيبراني والبرمجة وتدريب الذكاء الاصطناعي.
وينصح خبير أمن المعلومات بالتكيف مع التحول الرقمي من خلال اكتساب المهارات التالية: الذكاء العاطفي والمرونة النفسية، وتحليل البيانات الضخمة، والتفكير النقدي ومهارات حل المشكلات، والتعلم الآلي والبرمجة في Python أو R، ناهيك عن فهم أساسيات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات.
وأكد أيضاً أن المؤسسات التعليمية بحاجة إلى تحديث مناهجها لتشمل الذكاء الاصطناعي والتفكير التصميمي وتحليل البيانات، مع دمج التعلم التفاعلي والتطبيقي من خلال مشاريع واقعية. وأكد أيضاً على ضرورة تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لتوفير فرص التدريب العملي والتدريب المشترك ودمج مبدأ التعلم مدى الحياة في الثقافة التربوية.
ويشير الدكتور وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات، إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل ترتبط بالعديد من التحديات الأخلاقية والقانونية. وتشمل هذه التحديات التحيز الخوارزمي، وانتهاكات البيانات من خلال تتبع الأداء وتحليل البيانات الشخصية دون موافقة صريحة، والافتقار إلى الشفافية في عملية صنع القرار من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي. ناهيك عن المسؤولية القانونية. من المسؤول إذا تسببت الخوارزمية في إتلاف الوظائف؟
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على بعض الوظائف مثل خدمة العملاء والمحاسبة، حيث سيؤدي مهام مثل الردود الآلية، وتصنيف الشكاوى، وحل الخط الأول عبر برامج المحادثة الآلية، وإن كان ذلك دون تفاعل عاطفي. وستظل التفاعلات العاطفية المعقدة وحل المشكلات غير المتوقعة مجالاً إنسانياً.
وسوف تعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا على أتمتة المهام المتكررة مثل إدخال البيانات، وتسوية الحسابات المصرفية، وإعداد التقارير الروتينية، في حين ستظل المشورة الضريبية والتخطيط المالي الاستراتيجي مسؤولية المحاسبين البشريين.
وأوضح أن الغالبية العظمى من الدراسات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل معظم الوظائف بشكل كامل، لكنه سيغير طبيعة المهام التي تنطوي عليها، مما يؤدي إلى التعاون بين البشر والآلات. وأكد أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى المشاعر والعواطف وأن المعلومات والبيانات من البشر يتم إدخالها في أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
ويرى الدكتور وليد حجاج أن هناك مهام تتفوق فيها الذكاء الاصطناعي، مثل معالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة ودقة، والتنبؤ بالأحداث بناء على أنماط تاريخية، وأداء المهام الروتينية والمتكررة دون تعب أو ملل، والمراقبة المستمرة. لكنهم يفتقرون إلى الإبداع، والقدرة على حل المشاكل غير المسبوقة، والذكاء العاطفي، والتعاطف، والحكم الأخلاقي، والقدرة على اتخاذ القرارات على أساس سياق ثقافي أو قائم على القيم، ومهارات التفاوض، والتواصل الإنساني العميق.
ومن المتوقع أن تساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 14%، أو حوالي 15.7 تريليون دولار، في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، مع أكبر نمو في قطاعات مثل الخدمات المهنية والتصنيع والرعاية الصحية.
ويحذر خبير المعلومات من أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع. وإذا لم تتم معالجة هذه المشكلة من خلال التدابير السياسية، فقد تتركز نجاحات الذكاء الاصطناعي في الشركات الكبرى والدول الصناعية. ومع تعرض العمال ذوي المهارات المنخفضة لخطر فقدان وظائفهم، فإن التفاوت الرقمي قد يؤدي إلى توسيع الفجوة الاقتصادية.
ويدعو إلى ضرورة الاستثمار في التعليم التقني والرقمي، إلى جانب إدخال قوانين للحد من التمييز والتحيز الخوارزمي، ويدعو إلى دعم العمال المتضررين من التغيير التكنولوجي من خلال برامج إعادة التأهيل المهني. ودعا أيضا إلى فرض ضرائب تصاعدية على أرباح الشركات الكبرى لضمان التوزيع المتوازن والعدالة الضريبية، وإلى الرقابة الأخلاقية على استخدام الذكاء الاصطناعي.
ويوضح أن الحل يكمن في بناء نظام متكامل يدمج الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، ويعزز العدالة الرقمية، ويضمن عدم استبعاد البشر من المعادلة في المستقبل، بل تزويدهم بمهارات جديدة بحيث يظلون في قلب عملية الإنتاج والتطوير.
ويجب على المؤسسات التعليمية أن تتكيف مع هذه التغيرات حتى تتمكن من إنتاج كوادر قادرة على مواكبة العصر الرقمي.
وفي سياق مماثل، يرى المهندس محمد المغربي، الخبير في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في العديد من المجالات، وخاصة في مجال الرعاية الصحية، حيث سيساهم في التشخيص المبكر للأمراض وإجراء العمليات الجراحية بمساعدة الروبوت. ويشير إلى أن هذا سيغير وجه المعاملات المالية من خلال الكشف عن الاحتيال وتحليل المخاطر، وكذلك التعليم من خلال تكييف المناهج، والنقل من خلال إدخال السيارات ذاتية القيادة، والمجالات الإبداعية من خلال توفير أدوات الكتابة والرسم والتأليف.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان الوظائف: “وهذا يتطلب اكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، بالإضافة إلى المهارات الشخصية مثل التواصل والذكاء العاطفي، لمواكبة التغييرات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي”.
وأعرب عن قناعته بأن المؤسسات التعليمية يجب أن تتكيف مع هذه التغيرات من أجل تكوين كوادر مؤهلة قادرة على مواكبة العصر الرقمي. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دمج تحليل البيانات وأساسيات الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات الرقمية في المناهج الدراسية والشراكة مع شركات التكنولوجيا لتثقيف الطلاب.
ويوضح المغربي أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل كميات هائلة من البيانات، لكنه يفتقر إلى الإبداع والعواطف الإنسانية وفهم السياق الإنساني.
ويقترح المغربي عدة خطوات لتسخير الذكاء الاصطناعي، مثل دعم التعليم التقني والتكنولوجي، وتوفير فرص التدريب المجانية، ودعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وإقرار قوانين لحماية الوظائف الحساسة من الأتمتة الكاملة.
وعلى عكس المخاوف السائدة، فإنها تمثل فرصة واعدة لخلق فرص عمل جديدة.
من جانبه، أبدى الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر قناعته بأن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة واعدة لخلق فرص عمل جديدة، رغم المخاوف الأولية من تأثيره السلبي على فرص العمل. وأشار إلى أن الاستثمارات في هذا المجال من شأنها أن تساهم في تحسين مستويات المعيشة وتقليص معدلات الفقر والبطالة.
وأضاف أن مصر تهدف من خلال إنشاء الجامعات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي إلى مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال وإعداد الكوادر اللازمة لوظائف المستقبل. وتابع: “رغم أن بعض الوظائف التقليدية قد تتأثر، إلا أن الذكاء الاصطناعي سيفتح آفاقاً واسعة في قطاعات اقتصادية مختلفة، مثل الهندسة والطب والبرمجة والزراعة وغيرها”.
هناك تحذيرات من أن الفجوة بين البلدان المتقدمة والناشئة سوف تتسع لأن البلدان الأفريقية، على سبيل المثال، لا تملك البنية التحتية والتكنولوجيا اللازمة للاستفادة المثلى من هذه التكنولوجيا.
بحلول عام 2030، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بما يقارب 15.7 تريليون دولار
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور هاني أبو الفتوح، أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية ستدعم الاقتصاد العالمي، حيث من المتوقع أن يساهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
وأوضح أن الفوائد الحالية للذكاء الاصطناعي محدودة. بالنسبة لمعظم الشركات، فإن خفض التكاليف قد يصل إلى 10% وزيادة الأرباح قد تصل إلى 5%. ويشير هذا إلى أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل تحقيق الفوائد الكاملة.
من المتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على 40% من الوظائف في جميع أنحاء العالم. وفي البلدان المتقدمة، قد تؤثر هذه التأثيرات على 60% من الوظائف، حيث قد يستفيد منها نصفها وقد يعاني النصف الآخر. وعلى العكس من ذلك، فإنه يمكن أن يساعد العمال ذوي الخبرة المحدودة على زيادة إنتاجيتهم بسرعة وبالتالي التخفيف من بعض الآثار السلبية.
وتوقع أيضًا أن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل تطوير الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات الرقمية.
ولضمان التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي، يقترح الخبير الاقتصادي اتخاذ تدابير حكومية مثل تقديم الدعم الشامل للعمال المتضررين وبرامج التأهيل للوظائف الجديدة. ويقترح أيضًا الاستثمار في التعليم والمهارات لإعداد العمال للاقتصاد الذي يقوده الذكاء الاصطناعي.