تصوير المرضى على السوشيال ميديا.. استغلال رقمي وانتهاك صارخ للكرامة

في زمن تتسابق فيه الحسابات الشخصية لجني التفاعل والمشاهدات، تزايدت ظاهرة نشر مقاطع مصورة لمرضى وأصحاب الهمم دون إذن منهم، متجاهلين معايير الخصوصية والاحترام، وسط تحذيرات من متخصصين طبيين ونفسيين وقانونيين من الأثر الكارثي لهذه التصرفات على الضحية والمجتمع معًا.
تصوير كبار السن والمرضى النفسيين.. عندما تتحول المعاناة إلى محتوى
رصدت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع تُظهر مرضى الزهايمر وأصحاب أمراض نادرة، يتم توثيقهم في لحظات ضعف شديدة، دون مراعاة لظروفهم الصحية أو النفسية. وتعددت هذه الحالات بين نشر مشاهد لكبار سن فقدوا القدرة على التركيز، أو لأشخاص من ذوي الهمم يُمارس عليهم محتوى ترفيهي ساخر، ما فتح بابًا واسعًا للنقد والغضب.
أطباء: تصوير المرضى من دون موافقتهم "إساءة نفسية ووصمة اجتماعية"
أكدت د. رحاب السعدي، أخصائية طب الأسرة، أن تصوير المرضى دون إذنهم يمثل انتهاكًا صريحًا للكرامة والخصوصية، وينتج عنه اضطرابات نفسية تصل حد الاكتئاب والعزلة. كما أوضحت أن هذه الأفعال تُسبب شرخًا في علاقة المريض بأسرته وتفقده الإحساس بالأمان والدعم.
رحلة المرض ليست محتوى.. تحذير من وصمة دائمة
من جانبه، أوضح د. رياض خضير، استشاري الطب النفسي، أن كثيرًا من هذه الفيديوهات، حتى وإن حملت نية التوعية أو التوثيق، إلا أنها تفتقر إلى الضوابط الأخلاقية. وأشار إلى أن نشر هذه المقاطع دون موافقة الشخص يُشكل عبئًا نفسيًا طويل الأمد، خصوصًا على الأطفال والمراهقين الذين قد يرون أنفسهم لاحقًا ضحايا للعرض والإحراج العلني.
انتهاك الخصوصية الرقمية للمرضى.. القانون لا يتهاون
أوضح المستشار القانوني د. يوسف الشريف، أن القانون الإماراتي يُجرّم هذا الفعل بوضوح، موضحًا أن القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2019 يحمي حقوق كبار المواطنين، ويُعاقب على انتهاك خصوصيتهم سواء بالصوت أو الصورة. كما أشار إلى أن العقوبات تشمل الحبس والغرامة التي قد تصل إلى 500 ألف درهم، حال ثبت نشر صور أو مقاطع دون رضا أصحابها.
قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية.. الحماية الرقمية لكبار السن
أضاف المحامي علي مصبح أن نشر مقاطع لكبار السن فاقدي الأهلية القانونية، مثل مرضى الزهايمر، يعد جريمة إلكترونية كاملة الأركان. وأوضح أن المادة 44 من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية تعاقب من يقوم بذلك، حتى وإن كان من أقارب المريض.
السوشيال ميديا ليست مبررًا.. الخصوصية ليست ترفًا
حذرت د. أمل أبو العلا، استشارية الطب النفسي، من أن غياب الموافقة الصريحة عند تصوير المرضى يُعتبر أحد أخطر العوامل التي تؤثر على صحتهم النفسية. وذكرت أن بعض المرضى تتدهور حالتهم بمجرد معرفتهم بأنهم أصبحوا عرضة للفرجة الرقمية، خصوصًا في حالات مرضى الزهايمر واضطرابات الوعي.
منصة الرحمة بدلًا من الشهرة
يتفق جميع المختصين على أن تصوير المرضى في لحظات ضعفهم ليس فقط تصرفًا غير أخلاقي، بل يعكس افتقارًا للرحمة والوعي والمسؤولية. ويؤكدون ضرورة تعزيز ثقافة احترام الخصوصية، وتوعية الأفراد – خصوصًا صناع المحتوى – بأهمية المحافظة على كرامة الإنسان في أحلك لحظاته.