كيف أثر زلزال تركيا على اقتصادها وعملتها المحلية؟

الزلازل الحالية التي تشهدها تركيا هي حدث مدمر سيكون له تداعياته في جميع قطاعات الحياة، كما أنه سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التركي والذي قد يُلقي بظلاله علي الاقتصاد العالمي، حيث تحتل تركيا المركز التاسع عشر من حيث أكبر اقتصاد في العالم بحوالي 1 تريليون دولار أمريكي، ولكن يبدو أن العواقب الاقتصادية لهذه الكارثة التي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وانهيار سوق الأوراق المالية وانهيار القطاع الزراعي مدمرة.

كما تسبب الزلزال نفسه في كارثة كبيرة في البنية التحتية، ويقدر اتحاد الشركات والأعمال التركي أن تكلفة إعادة البناء ستتراوح بين 10 إلى 50 مليار دولار أمريكي، حيث تم تدمير أكثر من 8000 مبنى وطريق وموانئ بحرية مما سيحد من سلسلة التوريد الخاصة بهم للصادرات، هذا الدمار المادي بالإضافة إلى العدد المتزايد من الأرواح المفقودة ترك الدولة في مأساة اجتماعية واقتصادية كبيرة.

لفهم التأثير، نحتاج إلى فهم الموقف الاقتصادي لتركيا قبل الكارثة، قبل الزلازل تباطأ التضخم في تركيا إلى حوالي 60% من أعلى مستوى سابق عند 80% في أكتوبر 2022، كانت مستويات التضخم تعصف بتركيا منذ سنوات، حيث كان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يصر على خفض أسعار الفائدة مما أدى إلى زيادة التضخم، وقد أدى هذا إلى انخفاض قيمة الليرة التركية بشكل خطير، وقد سجلت الليرة مؤخرًا أدنى مستوياتها على الإطلاق في سوق تجارة العملات الأجنبية حيث بلغت حوالي 19 ليرة للدولار.

يجعل تخفيض قيمة العملة من الصعب على تركيا جذب المستثمرين الأجانب الذين سيتقاضون علاوة أعلى لحساب المخاطر المتزايدة، إن ارتفاع تخفيض قيمة العملة وارتفاع الأقساط والديون البالغة 185 مليار دولار التي تدين بها تركيا تثير مخاوف من احتمال انهيار الاقتصاد التركي.

الآن، بعد الزلزال أصبحت بعض الصناعات معرضة لخطر أكبر، لا سيما القطاعات الزراعية والصناعية في تركيا، تمثل المقاطعات المتضررة في تركيا ما يقرب من 15% من إنتاجها الزراعي و 9% من إنتاجها الصناعي، يعتقد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن تركيا قد تخسر ما يصل إلى 1% من ناتجها المحلي الإجمالي، كان من المتوقع أن يبلغ النمو في تركيا 3.5% والآن انخفض إلى 3%. 

يمكن أن يكون هناك تأثير مضاعف في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي لأن تركيا هي المزود الرائد للعديد من الفواكه بما في ذلك المشمش، إلى جانب الزراعة والإنتاج الصناعي تعد السياحة جزءًا أساسيًا من الاقتصاد التركي، ومن المتوقع أيضًا أن يتعرض هذا القطاع لضربة كبيرة حيث لم يعد الوصول إلى العديد من المواقع السياحية الشهيرة متاحًا.

فور وقوع الزلازل خسرت البورصة التركية نحو 3.9 مليار دولار من قيمتها قبل أن تغلق الحكومة البورصة، مما أثار تساؤلات حول معنويات المستثمرين الأجانب والمحليين، ومع ذلك، فإن الاقتصاد لديه بعض الأمل خاصة بعد أن بدأوا في إعادة الانفتاح، ارتفع سوق الأسهم لديهم بنسبة 10% منذ إعادة فتحه، يمكن ملاحظة ذلك مع أكبر الشركات التركية بما في ذلك Sasa Polyster و Ford Otosan و Koç Holding، شهدت كل من هذه الشركات انخفاضًا في الأسهم أثناء الكوارث وترتفع الآن مرة أخرى نحو الأرقام العادية.

اقتصاد تركيا المحاصر قبل الزلزال

قبل الزلزال كانت تركيا تعاني بالفعل من الكثير من الأزمات التي تمثلت في هبوط العملة والتضخم الجامح الذي وصل إلى معدل سنوي بلغ 85% في أكتوبر الماضي، كانت البلاد تعتمد على الأثرياء في التمويل للحفاظ على اقتصادها واقفاً على قدميها، وفقًا لمسح أجراه مركز Yöneylem للأبحاث الاجتماعية، فإن أكثر من ثلثي الأشخاص في تركيا يكافحون لدفع ثمن الطعام وتغطية الإيجار، حيث بلغ معدل التضخم السنوي في مؤشر أسعار المستهلكين 176.0%، وفقًا للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير كان الاقتصاد التركي يتباطأ من انتعاش النمو بنسبة 11 % في عام 2023 وكان من المتوقع أن ينمو بنسبة 3 % هذا العام والعام المقبل في الظروف العادية.

كما فقدت عملة البلاد الليرة ما يقرب من 30 % من قيمتها مقابل الدولار في العام الماضي، وقد تسبب هذا في ارتفاع تكاليف الإنتاج أكثر، خاصة وأن لدى تركيا أيضًا قروض خارجية يتعين سدادها بما يقرب من 185 مليار دولار، والتي أصبح من الصعب سدادها مع انخفاض احتياطيات العملات الأجنبية، ليس هذا فقط، فقد بدأ المستثمرون الدوليون أيضًا منذ عام 2018 في سحب الأموال من البلاد، أضف إلى ذلك أن استراتيجيات الرئيس “رجب طيب أردوغان” للسيطرة على التضخم من خلال خفض أسعار الفائدة استمرت في إحداث نتائج عكسية على الاقتصاد.

ماذا سيكلف الزلزال تركيا؟

كانت تركيا تكافح بالفعل من تضخمًا جامحًا مع الاقتصاد الذي على حافة الهاوية عندما ضرب الزلزال الأكثر دموية (7.8 درجة) البلاد في شهر فبراير الماضي، مما أصاب اقتصادها المحاصر الذي كان بالفعل في حاجة ماسة للإصلاح، أدى الزلزال إلى فقد أكثر من 46 ألف شخص أرواحهم كما أدي إلى تفاقم مشاكل البلاد من خلال فاتورة إعادة الإعمار الهائلة وإضعاف النمو الاقتصادي، من المتوقع أن يكلف الزلزال تركيا ما يصل إلى 84.1 مليار دولار

وفقًا لاتحاد الشركات والأعمال التركي، من المتوقع أن يكلف الزلزال البلاد ما يصل إلى 84.1 مليار دولار، على الرغم من أن مسؤولًا حكوميًا قدّر التكلفة الإجمالية بما يتراوح بين 10 و 50 مليار دولار، وقال اتحاد الشركات والأعمال التركي إن التكاليف تشمل 70.8 مليار دولار لإصلاح المنازل و 10.4 مليار دولار من خسارة الدخل القومي و 2.9 مليار دولار من خسارة أيام العمل، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، تم تدمير أكثر من 8000 مبنى بالأرض وتضررت البنية التحتية لسلاسل التوريد بما في ذلك الطرق وميناء الإسكندرونة البحري أثناء الكارثة، كانت المنطقة مركزًا للتصنيع والنقل البحري حيث استحوذت على 9 % من النشاط الاقتصادي لتركيا.

جهود تركيا لاستقرار الاقتصاد 

ومع ذلك، لم يكن الوضع قاتمًا دائمًا بالنسبة لتركيا، عندما ضرب الزلزال تباطأ معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 58%، وسجل اقتصاد البلاد أيضًا متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.8 % على أساس سنوي في الفترة بين عامي 2002 و 2023، وكانت التوقعات تشير إلي نمو الاقتصاد التركي بنحو 3% – 3.5% خلال عام 2023، حسبما قال “مورات كوبيلاي ” مستشار مالي مستقل بشأن الاقتصاد التركي، وأضاف أن الزلزال سيبطئ النمو الاقتصادي للبلاد ولن يحدث التعافي منه قبل عام 2024، كما أن تداعيات الزلزال سينتج عنه تراجع طفيف في نصيب الفرد من الدخل القومى لتركيا، وتابع قائلًا أن التضخم سيتجاوز التوقعات حتى في ظل أسعار الطاقة المنخفضة وسيبقي العجز الخارجي في ارتفاع مع تراجع الطاقة الإنتاجية ومعدلات التصدير، كما أكد أنه في حين أن المساعدات المالية من بنوك التنمية الدولية أمر ضروري، إلا أنها ستكون محدودة نتيجة علاقات الحكومة التركية السيئة مع الغرب.

محمد عبد العزيز

كاتب مستقل منذ عام 2007، اجد ان شغفي متعلق بالكتابة ومتابعة كافة الاحداث اليومية، ويشرفني ان اشغل منصب المدير التنفيذي ورئيس التحرير لموقع موجز مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى